السبت، 27 أغسطس 2016

مجموعة "بعض ما يعرفه الجميع" كاملة.

                                      

مجمــــــــــــــــــوعة قصصيــــــــــــــــــة


  بعض ما يعــــــــــــــــــرفــه الجميـــــــــــــــــــــع


 قصــــــــــص


                            أميمـــة عبــد الشافــي





الإهداء


لـــــــ
      عبد الرحيم يوسف ، ويحيى ...... حكايتي الأجمل


    ال .. كــــل ، ندوة الأربعاء ......

   إسكندرية ، الصحاب ، الأهل ......

                                         لازم أفضل فاكراكم

              
         



(1)
قصص تتجول بالطرقات                              
 
         
حكاية "عمو" المملة 
    

       منطقيا كل المراهقات تعلمن أن الدخول إلى بيت ابن الجيران شئ طبيعي، وسواء كان هذا الدخول عن طريق الباب، أو الشباك، أو حتى عن طريق (الجوابات) فهو موجود، ولن أضيف جديدا إذا حكيت عن "ابن جيراني" لكن الرغبة وحدها هي التي دفعتني إلى هذا كله.

قبل البدء في سرد هذه الحكاية المملة لا بأس أن نعرف أن هذا (الابن جيران) يكبرني بخمسة أعوام؛ ولهذا كان أبوه في سن مناسبة تماما.

كنت أطمئن للأب، وكانوا يحذرونني من الابن ـ المظلوم دائما ـ ويمنعونني من الصعود إليهم عندما يكون موجودا بالمنزل، أما الأب فكانت كل أحاديثه الهامسة لي على باب الشقة تمتعني بشدة، خصوصا لأنها لا تتسبب في ثورة أبي أو تجبرني على سماع دروس أمي الأخلاقية، وكان "عمو" عندما يقول لي أمام الجميع:
ـ (تصبحي على خير يا حبيبتي) تبتسم له أمي، وتنبهني لأرد تحيته الجميلة.

لم تكن رغبتي في فهم ما يحدث تمنعني من الاستمتاع بهمسات "عمو" أو إصراره على الإمساك بيدي عندما أحاول تركه، وقد كنت بصراحة أتركها له وأنا أجذبها وأردد:
ـ (لأ كده ح اتأخر) لأستمتع بإصراره، وكانت كل أسئلتي لنفسي تتحول إلى أحلام تنسيني الأسئلة نفسها، وتخبرني أنني لا يجب أن أحاول فهم هذا الكبير أبدا.

...... بعد سنوات عندما كنت أخبر حبيبي عن "عمو" كان يردد أنها شقاوة كبار، ومداعبةٌ منه لصغيرة بلهاء حتى أنساني كل الكلمات الجميلة التي سمعتها، وكل رغبتي في فهم أسبابه.

.... في حفل زفافي عندما كان يشد على يدي، وأشار لزوجي:
ـ (تسمح لي؟) فابتسم له زوجي:
ـ (طبعا يا "عمو") انحنى يطبع قبلته الجميلة على خدي وهو ما زال يهمس:
ـ (.. برضه بحبك) فنظرت إلى زوجي الباسم، ومن خلفه أبي، وقلت:
ـ (وأنا كمان يا ....).

                                                                                                         نوفمبر 98


الولـد والبنـات    


   أما عن أخي فحدِّث ولا حرج ؛ فقد اعتاد الجميع منذ زمن أن الحديث لا يكون إلا عنه، ولو كنت أنا من يتحدث عنه فلا حرج إطلاقا.

عندما كانت أمي تدعو له بالفلاح، وتتمنى أن ينجح ليصبح شيئا ما "لأنه الولد اللي لازم ينفع"ولأن البنات تعرفن أن الفلاح الحقيقي لا دخل له بالتعليم و"خيبة الأمل" كنت أعلم أن دعواتها مردودة.

كان بيتنا – الذي توجد به غرفة لأخي وغرفة لنا – يثير غيظي دائما، ولأنني أعرف أن الغرفة الخاصة للمذاكرة والأصحاب الذين يأتون عندنا لتدخين السجائر لم أكره حقا إلا سريره الذي كان يرغمني على النوم به عندما يتركوننا بمفردنا، ونويت إحراقه لولا الحاجة إليه عندما خابت البنات وبقين إلى الآن في بيت أبي!

لو أن أخي "فلح في المدارس" لأعطاه أبي شقة الدور العلوي أيضا، وعلى الرغم من أنني أكره هذه الشقة إلا أن الجميع يقولون أنها من حقه ليتزوج فيها، ولا داعي لأن تطلب البنات بيعها لأنها ميراث عن أبيهم.

تزوج أخي في شقة الدور العلوي، ولأن البنات لم تعرفن الفلاح الحقيقي – بدون سبب – فرح الجميع له، ولما أراد أن يتزوج بأخرى، تركنا له حجرته في منزل أبي وبها سريره القديم.   

                                             
                 
                                                                                                                   سبتمبر 98 



حدوتة عن فتاة عادية



        كطفلٍ عابث تتحرك يداه في جلبة غير مسموعة ، ترسم أنامله خطوطاً ودوائر على راحتيها ، وعندما يمتلك اليدين الصغيرتين ، تبدأ أصابعه الخبيرة في بث إشاراته ذات الترددات التي تبدأ ناعمة ؛ لتشتد ، وتقوى في لمحاتٍ تتساقط فيها كل أوراق المقاومة الضئيلة التي صنعتها الأم حجاباً حول فتاتها ، وأقسمت عليها في ليلة ممتدة الألم بتعاويذ إيزيس الحافظة من شيطان الجن ، ولضمها الأب صفوفاً وصفوفاً لم يترك فيها ثقباً أو فراغاً يخترقه أي إبليس لعين إلى عقل فتاته الجميلة .

كدمية صغيرة جميلة تركت يديها في دفئهما القوي القادم كخيوط شمس صغيرة ؛ ليدغدغ كل ذرة في جسدها غير غافلٍ عن الروح ، التي افترشت وسائد الدفء ، وتركت وعيها في اليدين فقط ؛ لتجمع به كل الترددات المتلاحقة ، ... بذاكرة غافلة تذكرت خوفها من شيطان قبيح ، ثم نسيته وهي تطرد بقايا وعي من رأسها .

                             ***************************

... تتساقط وريقات الوردة في إثر بعضها البعض .. ينكشف القلب .. تمتد اليدان تعتصران قلباً في اعتياد .. تخلفان البقايا ... .

                             ***************************

كملاك شديد الوسامة سحب يديه ، وجمع أجنحته ، وارتقى درجات الضياء الأولى غير عابئٍ بعقد من ورقات متفرطة يشتبك في أطراف أصابعه ، ولن يقاوم طويلاً جاذبية الأرض له .


                                                                                                 ديسمبر 98







حكاية واحدة مروية
       (لست أميرا) 


       في حياتي التي أعيشها وحدي حكايات ٌ أرويها فقط لجارتي التي تواجه شرفتها غرفتي ، والتي لا تسمح علاقتي بها بالكلام ، ولكنني مع هذا أعرف عنها الكثير ، وأخبرها أيضاً بالكثير .

لا أتساءل عمن وضع شرفتها في مقابل نافذتي فالمهم أنها موجودة ، وعندما تفتحها أتابع في بساطة كل أسرارها .. أقتحم عالمها في جرأة وثقة ؛ فلست السبب في مشاكل المساحات وتلاصق الأبنية لكنني أتشاغل بالنظر في جهة أخرى عندما تسدد إلي نظرتها العاتبة ؛ حتى لا أجرح مشاعرها - التي تهمني كثيراً – وأثبت لها أنني وإن كنت وحيد أبويّ فقد عرفت الأدب ، وأن صرخات أمي الحادة وسبها لي بأبي كانت غضباً منه لا مني ؛ فمن يتزوج زوجها بأخرى ليس لها إلا ابنها ، والمرأة عادةً ما تلعن زوجها وهذا أبسط حقوقها ..... .

الحقوق دراستي النظرية .. لو عادت هي إلى التاريخ لعلمت أنه ليس كل من لا يدخل الطب فاشل ، فالمجموع القليل قد يؤهلك لاختيار عظيم لم تفكر فيه أصلاً ، ويضعك على طريق سلكه القادة والزعماء .. طبعاً لعدم وجود ثورات سأكتفي بأن أكون نائباً ، ولو لم أكن نائباً فأنا على الأقل أثق أن دراستي ستمكنني من معرفة أشياء ..... .

مما كنت أعرفه على سبيل اليقين أن أبي عندما قذفني بالمزهرية كان خائفاً عليّ ، وأن الجرح الغائر برأسي دليل على حب والدي وخوفه عليّ ، [ دعك طبعاً من تعليقات طلبة الجامعة القصر الذين لا يفهمون حقائق الأمور ويرون أن من يحاول منع ابنه من التدخين بقذف المزهريات يريد لأميره الصغير أن يظل حبيس المهد متجاهلين – هم – كل أضرار التدخين ] ، أما هي فلم تعلق على الأمر .... .

هي صاحبة الشرفة المقابلة  التي ترسم اللوحات الجميلة ، وتفضل الدراسة العلمية غير قادرة على تغيير الدنيا كما أفعل أنا داخل مرآتي المواجهة لشرفتها ، فأقلب عالمها ، وأبدل لوحاتها ، وأغيِّر حتى الجانب الذي تختاره لربط شعرها ، وأمنعها من الابتسام لقاطن الشرفة العلوية الذي يدخن كقاطرة ، ولا يملك حكايات لها أبداً .


                                                                 يونيو 99



بنت من ثانوي



       لعن الله " الدروس الخصوصية " ؛ فلولاها لما قابلنا هؤلاء الذين يعملون للربح ، ثم ينبتون أشجاراً أسقط الخريف أعمارها في ربيع غيرهم ، ولقد حذرتهم مراراً من مغبة هذه الدروس الانفرادية التي تسمح للرياضيات أن تتحول سراً إلى أبيات شعر يسرقها صاحبنا من شاعر لم تسمع عنه أي من فتيات الثانوي الخائبات .

البداية محاولة فاشلة لجمع القليل من الدرجات ، والكثير من الأوقات الجميلة ، ومجرد جملة تقليدية :
-        ( ..... ممكن يا أستاذ ؟ ) .
-        ( طبعاً ممكن ، ح أحاول أحطك على جدول المواعيد ) .

سأروي عنه أنه كان خجولاً جداً في المرة الأولى ، وأن الجميع في بيتنا قد أشادوا بأدبه ، وكان حريصاً عندما سألني في براءة :
-        ( إنتِ مرتبطة ؟ )
ومؤثراً في حكي قصة زواجه السريع لإرضاء والده ، سأدعي أنني نجحت في الرياضيات بفضله ، وأن طريقته في الشرح أفضل كثيراً من آخرين يحبون زوجاتهم .


نحن – فتيات الثانوي – بزينا الموحد وقاماتنا المتقاربة نتشابه جداً ، ونتبع حتى في عبثنا الطرق نفسها ؛ ولهذا سأحتفظ بأبيات لشاعر لم أسمع عنه مطلقاً ، وستكون النهاية مجرد جملة :
-        ( .. لأ طبعاً مين تقبل تبقى زوجة تانيه ؟!! ) .
وبعدها سأروي عنه أنه تركني ، وسأدعي أنه جرح مشاعري ، وسأؤكد كذبه بكل الحكايات التي أعرف تفاصيلها جيداً ، وعندما أترك الثانوي وأقابله في الشارع سأقول له :
-        ( إزيك يا أستاذ ؟ ) .


                                                                     يناير 2000






مجرد شخص وحيد ومقعد خالٍ


         لا توجد أسباب مجهولة لاختياري ذلك المقعد بالذات ، .. فدائماً عندما نستقل الحافلات نمارس ذكاءنا بنظرة نختار بها رفقة طريق طويل ، قد يقصر الطريق أحياناً ، وقد نكتشف غباءنا ، ولكن عندما تصعد فتاة إلى أي حافلة فهناك دائماً شاب يجلس في انتظار صحبة ما ، وهكذا فإن أسبابي يعرفها الجميع .


...............


    سأقول أنني أخفيت نظرتي ، وتعمدت أن يبدو اختياري للمقعد تلقائياً ، أو صدفة غير محسوبة ، وأنني عندما طلبت الجلوس بجوار النافذة كانت هذه آخر محاولاتي لإيجاد سبب للكلام ؛ فأنا لن أنتظر طوال الطريق حتى يقيم بنفسه هل يتكلم أم يجلس صامتاً لأن حجة الساعة ستبدو مكشوفة جداً ، ويمكن بسهولة ألا أرد عليه .
سأتبع كل النصائح التي لم تذكرها الكتب ، فلن أعطيه رقم هاتفي ، وسأخبره عن الكلية التي أدرس بها ، وأتجاهل الشعبة أو الفرقة ، وعندما ننتهي من الكلام في كل المواضيع الممكنة ، سأصمت تاركةً له فرصة ليعبر عن مدى جرأته حتى تكون الحكاية جميلة ، تثير ذكرياتها في النفس شعوراً جميلاً صنعه شخص وحيد ومقعد خالِ .


                                                                                                                   مارس 2000  




   
أفكارٌ طارئة


       لم تكن المسافة طويلة ، لكن الغرق في أفكار لذيذة هو أفضل ما يميز رحلة العودة إلى المنزل ، خاصةً وأن كلّ ركاب منتصف النهار يؤثرون الصمت والاسترخاء ..
 .. يجتذبني معهم صوت فتح الباب الصغير لعربة (/ الميكروباص /) التي نستقلها .. تتجه جميع الأعين إلى القادم - [ هي رغبة أزلية في معرفة المجهول ، وإفشاء الأسرار فقط لأنها أسرار ] - ، والقادم سيدة تحمل حقيبة منتفخة تتدلى من زاويتها المفتوحة بعض رؤوس الجزر المخنوقة التي تتطلع بلا مبالاة إلي أقدام الناس ، وتشي بأن يوماً مرهِقاً من العمل والشراء قد مرّ على سيدتها ؛ لتكون هذه هي آخر استنتاجاتنا عادةً ؛ فنصرف أنظارنا عنها ، لكنها عندما جلست في مواجهتي حُصرت أفكاري للعودة فيها وحدها ، أحببت أن أتساءل في خبث عن رأي الآخرين فيها .. هل يرونها أكثر جمالاً مني ؟ .. ربما يرى البعض أكثر من كونها سيدة عادية ، فمثلاً هناك الجينز الأسود الجميل الذي ترتديه ، وتبدو فيه أكثر انطلاقاً مني في جلستي المتحفظة ، وكتب الكلية الأنيقة المرصوصة على ركبتي أحفظ توازنها بأطراف أصابعي وأحس بها الآن تغار من جزراتها .

تابعتها وقتاً ، وعندما رفعت عيني لأرى وجهها ؛ وجدت نظرتها مثبتة على يدي الموضوعة بلامبالاة فوق الكتب ، ولاحظت حركة أصابعها البطيئة التي تمر بها على ظهر يدها المتجعد قليلاً .




                                                                                                مارس – أكتوبر 2000   



  

أسباب غريبة للصمت



         .... وحاولت إقناعها بأن محطة الرمل مملة اليوم ، ولو انتظرنا إلى يوم الخميس ستكون أجمل، غير أن هذا الخميس أول الشهر ، وهكذا فإن الحالة المادية لن تكون بحاجة إلى مذكرة حساب ، لكنها رفضت في عناد ، وكنت أنوي الإصرار عندما قالت في بلاهة أخرستني :
-        ( بطـَّلي بقى مش كل خميس حَ تلاقي سي حسام هناك ، نروح النهارده ولو عايزه ممكن نروح له المستشفى ..  يعني نقول له أي حاجه  ) .


ستندم على اصطحابي وحرق آمالي بهذه البساطة ، لكنني لن أدعها تتصور أنها ستفوّت عليّ الفرصة التي انتظرتها للوقوع في صدفة أخرى أقابله فيها؛ ليخبرني بشيء آخر غير أنه يفضّل المكان نفسه، أو لأخبره بأن كونه طبيباً قد فتح باباً لأحلامي .


في عربة الترام الهادئة جلسنا متقابلتين ، فأغرتني نظرتها اللائمة بتصوّر نهاية جافة لليوم ، فلا مصروف ، ولا حسام ، زِِد أنها لم تستطع تغيير حالة الملل فقررت في قسوة عقابي ، وحرماني حتى من المرور أمام باب المستشفى ، لكن الفتاة التي أجلستها (.....) بجانبها بددت تصوري الجاف بضحكتها الجميلة ، واقتربتُ منها لأصالح صديقتي التي ابتسمت في انتصار :
- ( أظن دي بقى ما تقدريش تعامليها ببرود ) .
أخبرتني الأم الواقفة بجواري عن اسم الفتاة الذي فشلت في سماعه أربع مرات متتالية .. قالت الأم :
-        ( هاجر .. اسمها هاجر ) .


هاجر الطفلة ذات السماعات الملتفة حول الأذن أشعرتني بذنب مضاعف عندما ابتعدت عنها ، وعدت للتفكير في قانون الصدف الملتوي ، والجملة السخيفة التي قد توجهها إلى أي إنسان لسبب لا تعلمه .. : - ( خليها بالصدفة ) .. ثم تكتشف أن قانونه الخاص للصدف لا يشمل نفس اليوم أو المكان والساعة ..   


... جذبَتْ أصابعي بشدة ؛ فاستبدلت أفكاري الخائبة بوجهها الصغير وهي تلهو بأوراق الكلية ، وتصرّ على تعليمي العد .. ( واحد )  أشير بحركات في الهواء ؛ فتومئ برأسها في فرحة .. أبحث في رأسي عن قاموس الإشارات الغريبة .. أين تعلمتها ؟! ، .. أجد بعضاً من أفكاري عن نهاية اليوم ، قد تتغير النهاية الجافة ، وقد أحتفظ ببعضٍِ من مداعباتها لأرويه لحسام الذي قد أقابله صدفة ... أهمس لصديقتي :
- ( تعرفي البنت لذيذه ، ممكن أسيب لوالدتها تليفون حسام يمكن ينفعها ) .
سألتني في تردد :
- ( هي إيه .. مش صعبانه عليكي ؟ كل اللي بتفكري فيه حسام وبس ..! ) .
أجبت كاذبة في شبه همس :
-        ( لأ طبعاً ، وتصعب عليّ ليه ؟ )
 وأرسلت يدي خارج النافذة لتلقي بتحية إشارية لفتاتي الصغيرة التي تقف على رصيف المحطة ، وأنا أفكر جدياً أنها على الأقل تملك سبباً حقيقياً يمنعها من الكلام .



                                                                       أكتوبر 2000   



                                    
بَعْضُ ما يعرفُه الجَمِيع



          تِلك الدبدباتُ الرقيقة التي قد تجعلُكَ تبتسمُ في نشوةٍ مديراً وجهَكَ إلى الجهةِ الأخرى ؛ لكيلا تصلَ ومضاتُ إبتساماتِك المتكررةِ إليهما ؛ فتقطع ذلك الصفاءَ المجدولَ بكذبٍ جميلٍ بينهما . تلك الخبراتُ التي تعرفُها جيداً و تفقدُ فقط طعمَها الممتعَ خلال جولاتِك الحياتية هي ما ستسمعه إذا ما بدأتَ باستخدامِ طريقتي الخاصة في تتبع الفصولِ الأولى من قصصِِِ الكورنيش المذهلة .


كبداية فلتتبع أي فتى لا يمسك بيد فتاةٍ تسير إلى جواره - و لا تنسَ أن تلاحظ النهاية -  و عندما يختاران الجلوس في أي مكان على طول سور البحر - أو أي حديقةٍ لها سور يصلح لتبادل حديث مؤقت -  فلتجلس ، و لتنظر في ساعتك كدليل انتظارك شخصاً ما سيحضر و لا تشغل بالك بميعاد قدومه .


هذه الادعاءات غير المنطقية لازمة عند البداية ، فلا تحاول فرض منطق عقلك الواعي عليها ، فليس خطأ فاحشاً أن يدعي أنه كان يحب أخرى بجنون ، و أن خيانتها له كانت صدمة ..

.. ليس كذباً أن يقول أنه يشعر لأول مرة بحب حقيقي ، أو برغبة لذيذة في التسرع .. هو الذي علمته الخديعة معنى التأني  . 
                                    
دعها تسعد بكلماته عنها ، و تستند على حبيبته الأولى كخلاص سريع عندما تتهمه يوماً بأنه يعاملها كامتداد لأخرى .. هذا طبعاً لو لم يسبقها بأنها مثلها / مثلهن .. تماماً .


استمع بهدوء .. ابتسم بهدوء ، و عندما يبدأ قلبك في دبدباته الرقيقة ابحث عني على سور البحر / تعرف طبعاً كيف تجدني / و عندما تسير بجواري تذكر جيداً ألا تحاول الإمساك بيدي في المرة الأولى .


                                                                                                أبريل 2001   




 لعبة السعادات الممكنة


  ( واقفه لوحدي باحاول أركب أي شئ يوصَّلني لبيتنا قبل الساعه ما تسرقني ، و لما ركبْت جنب السواق بقى كلامي مش مهم خالص أول ما ركبتْ واحده تانيه جنبي وقالت
" سبورتنج " ............

فقال لها : ما تخليكي معانا  )

********************

ــ أنا العبيطه ...

         لم يخطر ببالي شيءمما يحدث ؛ ففي عربات " الميكروباص " تبدو الأمور أكثر وضوحاً من هذا ، ربما ظننت أن السائق يشاغلني مقابل ضحكة أو تعليق .. عرفت هذا قبلاً لكنني اليوم ابتلعت كلماته الغريبة التي مرت عبري إلى الجالسة بجوار النافذة تقضم نهايات الجمل(.. يا سلام .. وماله .. أخليني وأرجع إزاي ؟ .. ) .

ــ أنا السائق الوحيد صاحب المسافات المقفرة و الممتدة في عيون البنات ...

          دائماً ما يحدث أن تغير طريقك من أجل فتاة تدور عيناها بين الساعة والطريق ، ويكفيك جداً أن تنتقل إلى جوارك من أجل دردشة قصيرة تستطيع معها أن تشعرها أنها تقود ، وهكذا تكسب كثيراً من السعادات الصغيرة ترضى عنها ونادراً ما تميل رأسك بأفكار بعيدة ، تخبئها وراء تلامس هادئ ، تفرضه أنت مع الظروف ، وتسامحك هي عليه بنظرة متوعدة جميلة أو محايلة رقيقة بالإسراع تلبيها كأنك تملك الطريق والمطبات .
  عندما تركت مكانها لأخرى - المفروض أنها تكفي كديكور جيد - تعلق قلبي بجوار النافذة ، و شبَّت أفكاري البعيدة تتخطى الجالسةَ بجانبي إلى الأخرى التي قالت في هدوء : ..
-        ( سبورتنج ) .





ــ أنا جارة النافذة التي تؤرقها العبيطات ويروقها فقط .....

       نصف العالم تستطيع الحصول عليه إذا تركته يجئ إليك ؛ فترفع طرف إصبعك قائلاً في لامبالاة : .. سبورتنج ، ثم تمسك بأحلامك الممكنة متجاهلاً هؤلاء الذين يتصنعون الغباء ، وعندها أطلق كلابك الصغيرة والتي تعرف جيداً ما ستفعله .

ــ قد كان ما كان والآن ...
       دعوت عليك بعذاب لائق عندما تركتني في منتصف المسافة ، وقذفت غضبي نحوك محملاً بفهمي أخيراً لبقائها حتى التخلص من آخر الركاب ، وأدرت رأسي في علياء عبيطة ، لكنني عندما سمعتهم يصبون اللعنات عليك مصحوبة بغمزات خبيثة ثار حقدي ضدهم ؛ فتمنيت لك غفراناً كبيراً يؤذي عيونهم .


                                                                                            يوليو 2001  


قليل مما نملكه حقاً


* بند أول من ملء الحكاوي بتفاصيل يومية .

من غير سؤال أي شخص كبير- باعتبار الأمر خبرة معروفة - اعتمد جداً على أن كل بنت تملك على الأقل ولداً واحداً كبيراً ومؤثراً فيها . كبير لدرجة أنها أحست في وقت أنه يصلح لأن يحب أختها الكبرى ، أو بنت الجيران المشتركة ، والتي ملَّت من تقطيع أوراق النتيجة من اليوم الذي تخرجت فيه ؛ فصلبت أحلامها القديمة لكل الأولاد في الحي والمدرسة باسم الجار الوحيد ذي السن المناسبة ، والذي لم يتزوج حتى الآن .. كنت أقول كبير بشكل كاف ومؤثر (بدراما) مثل أن يصبح "الشطرنج" الذي علَّمه لها بنفسه لعبة مقدسة ، وتعتبر في ساعات الوفاء أن كل الذكاء الذي فهمت به العالم قد تعلمته على يديه ، وأنها الوحيدة التي انشرخت حياتها عندما ترك المنزل ليسكن مع المخلوقة الغريبة التي لم يقل عنها ولا كلمة وكأنها سر حربي ، وبالكاد طبع اسمها في دعوات الزفاف ......

"عفاف" اسم كئيب لو خرج من فلسفة كونه اسمًا لمعنى جميل سيكون أكثر فراغاً من حدوتة يومية تملأها تفصيلة كبيرة مثل شخص اسمه "عمرو" .

**بند ثاني له هدف واحد : أن يكشف الأشياء المستورة ..!

كبنت عادية تعرف جيداً أن اللعبة يلزمها بالضرورة ولدان ، لو كان أحدهما كبير فالآخر صغير ، ولو كان الأصغر يسكن في زاوية الشارع التي لا يمكن للولد الكبير أن يراها وتنكشف فقط لشرفة البنت فهو مثالي ؛ لأنها ستكسب بجانب إغاظته - في أوقات تكون شرفة الصغير فيها مغلقة أصلاً - الاستمتاع بإدارة الأمور، خصوصاً وأنها تملك الوقت لتبديل الموقف عندما يسافر الولد الصغير مع أهله إلى (البلد) التي تبعد أكثر من ثمان عشرة ساعة في رحلةٍ ربما تأخذ الصيف كله ، ولهذا يمكن إغفال ميزة إضافية في المدن وهي أن أصحاب الأصول الصعيدية غالباً ما يكرهون أولاد الفلاحين دون أي تدخل من أي بنات . ولأن الأمر لم يعد يحتمل إخفاء  شئ فمسألة الولد الأصغر لم تكن السبب الوحيد في الخلاف الذي حدث بين البنت والولد المؤثر في حياتها بشكل كاف ، ولكنها - البنت - ضمت لذلك موضوع التردد الغبي الذي جعل الولد يقول في أكثر من مناسبة أنها كأخته الصغرى ، وتعامل مع وجودها على السلم ببرود ؛ فقررت في لحظة خاطفة أنه من المفيد تعلم أشياء غير "الشطرنج" .


***ما جعل لقاء البنت بــ"عمرو" شئ جميل .

أولاً : أن انتقاله من المنزل لم يتح لها فرصة عرض انتصاراتها عليه ، وهذه من العادات السيئة لعلاقات الجيران فالكلام مشروط بالوجود داخل المنزل حتى أن الأولاد يرتعبون من السلام على البنات في الشارع بينما البنات المترقبات لنظرات من حولهن تتجاهلن معارف الجيرة التي بلا فائدة .

ثانياً : أنها راق لها جداً أن يعود من عمله في نفس الساعة التي تعود هي فيها من تسكع حميم فيقول لها :
ــ متأخره ليه ؟ .
ــ فترد بعبث : تأخير إيه ؟ إنت اللي مش حاسس بالدنيا .

هذا غير الخاطر اللئيم بأنه لم يستشرها في أمر زواجه ففاته أن يكون مختلفاً ، مع أنها تجر ساكن الشرفة - الذي لم يعد صغيراً - إلى نفس الحياة ؛ ليعود متأخراً ومرهقاً في قطار بعد العاشرة والنصف ، وربما يجد بنتاً تسعد لأنها لو لم تبدأ بالسلام سيقع في حيرة لا تناسبه هو الذي امتلك الكلام قبلها بزمن .





                                                                                              أغســـــــطس2002     








 (2)

قصص ساكنة تماما

                
           
بنت واحده بس
  
      كنت أريد فقط مكاناً خالياً من العالم ؛ لأبكي فيه بهدوء ، لكن ما حدث هو أنني توقفت فجأة ؛ لأسلِّم على صديق جاء بعد مدة طويلة ، و لم أظن أنه من المناسب أن أتركه قبل أن يعرف كل أخبار الدنيا المختبئة خلفنا ، و التي لا تتميز عن أي دنيا أخرى سوى بكم الأكاذيب التي تقول الحقيقة .

عندنا يصنعونها - / الأكاذيب / - شفافة و سائلة ، يروون منها الصغار حتى تستقر داخلهم كحقيقة لا يمكن التخلص منها ، وهكذا يستطيع الجميع ممارسة الإدعاءات طوال الوقت ، و يقين ما يحركنا أن فض هذه الكذبات المتشابكة بنجاح ، هو ما يسمونه في بلاد بعيدة بمرور الوقت .

أخبرته أنه لا يستطيع الآن المرور من طريق الأشجار ، حيث لم تعد أي شجرة طيبة تسكن هناك ، و أن جميع شجرات الشارع ذهبن إلى شاطيء البحر ؛ لتصنعن عالماً غير دافئ له جهة سير واحدة ، و في الغالب لا تؤدي إلى أي مكان ، و أن الدخول من شارع الحكايات أسهل ؛ لأن الناس هناك ستصدق أي إجابة عن سفره الطويل ، و ستضعه في أي ركن من حكاية ناقصة ، و عندها سيجد على الأقل أمــاً ليست في حاجة حقيقية إلى ولد كبير يعرف كيف يرحل بعيداً .

يكفيني جداً أن أطلعك على طريقة جيدة للدخول ؛ لأنني قبل أن أقف من أجلك كنت أبحث عن مكان خالٍ لأبكي فيه بهدوء ، هذا المكان الذي اعتقدت أنني في حاجة ماسة إليه عندما قابلت منذ وقت عائداً آخر ، و قد ساعدته في معرفة طريق مأمون لكنه في النهاية لم يكن يذكرني ، فانتابتني رغبة في البكاء ، أنا التي كنت ذاهبة إلى نهر حيث تغني الحوريات قبل أن ألقاه ؛ لأنني عند خروجي من الدنيا لرؤية الحقائق الكاذبة أعجبتني ألوان الهواء ، و رغبت في رؤية النهر ، و سماع الحوريات ، لكن لعنة طاردتني لا أستطيع فهمها ؛ لذلك أظن أنني سأصعد إلى جبل فمن المؤكد أن اقترابي من السماء سيساعدني على فهم أكبر .

عندما تصل لا يهم أنك لا تذكرني ، فقط أخبرهم أن بنتاً أرشدتك ستذهب إلى النهر ، و ربما إلى جبل ، أو حتى إلى مكان خالٍ تبكي فيه ، و إذا سألك أحدهم : أي نوع من البنات كانت ؟ فأخبرهم أنها ( من النوع اللي مش عارف خالص هو عايز إيه ) .



                                                                       أغســـــطس 2002


عن واحد خايف جدا
    
 ... و ساعات بأدور أدوّر في عيون الناس عني ، و باخاف زيّ يومها ما ألقانيش موجود خالص ... !
                                 *****************

       يومها كانت رنات الهاتف أعلى من المعتاد فسمعها الجيران ، و كان مكان لقائنا أكثر ازدحاماً بالناس ؛ و كأن الكل قد أتوا شهوداً على يوم غير عادي تبادلنا فيه أخبارنا ، و ضحكنا على نكات قديمة .. / دائماً ما تملأني الضحكات القديمة بخوف ؛ ربما لأنني لا أرى وجهك بوضوح تام عبرها / ...
                           فهل رأيت حقاً دموعاً في عينيك ؟!
جررْتِ الخبر كسطور الجرائد الأخيرة ؛ فبدا و كأنه خبر زواج أخرى غيرك لا تكترثين لها كثيراً ، و سمعت بوضوح :  [ لا أعرفه تماماً ] أو ربما أنك قلت : [ سأراه الليلة للمرة الأولى]...

هل كنت فاشلة في اختيار كلمات أكثر تأثيراً ؟!

............../ جال بخاطري طبعاً أنني من تعرفينه أكثر ، لكن هذا أيضاً يصيبني بخوف ؛
فأنا لا أملك معرفة كافية  لأخبرك أنك محقة ، ربما أنا لا أعرفني تماماً / ................

... في مكان ما من عقلي حيث خبأت كلمات مناسبة – كنت أعلم أنني سأحتاج لها بعد ما رسمت في الليل ظلاً جميلاً لك ، و أنا أتذكر بمشقة ملامحك المختفية وراء إشراقك في قلبي – أمد وعيي إليها فيزيح غطاءات كثيرة كنت أحصنها بها كلما مررت بخاطري أو رن الهاتف بنفس سرعة النبض في دمي ؛ فأخرجها عارية بطيئة مضغوطة المقاطع و مخجلة فتشربينها ككأس من الخمر يرتسم أحمر على وجهك ، و أنت تؤكدين أنك أيضاً لم تفكري بصراحة فيَّ ، و ظل مشروعك احتمالاً قابلاً للنجاح و لو رأيته للمرة الأولى .

إن عفريتاً من الخوف ملأني ندماً بعد أن سرقني من عينيك ...
فلماذا تتسع عيون الناس لتتخطاني و ترسمني صغيراً ، و كيف رأيت دموعها ، و أحسست طعمها المالح داخلي مع أنها كانت توليني ظهرها تماماً عندما تحرك القطار ؟ .



                                                         
                                                                           ســـــبتمبر2001 
                                                                                

أسكن بداخلي



   ( قلت له : أنا أغبى من إنك تضحك عليَّ .. لإن الحاجه الجميله في إنك تستغفل حد هي استمتاعك بالخضَّه على وِشـُّه لما يعرف إنه كان مجرد عبيط مثالي .. لكن أنا مصدقاك .. و باحبك .)

                           ***************************

مقعد لفردين في عربة تنتقل على خريطة شبه محدودة ، و لا تقيد أي من الأشخاص بسمات معينة . كبنت عادية ترحل حتى آخر المدينة من أجل سبب طيب و متكرر ، أحب الجلوس بجوار النافذة ، و ضبط فتحتها بحيث لا تؤذي وجهي ذرات التراب التي تنقذف فجأة مسببة ألمًا بسيطًا ، و بنظرة غير دقيقة أو حتى بالحدس لا أتجاوز نصف الكرسي ؛ حتى لا يتعامل معي أي قادم باعتباري طاغية .. قطعاً لا أترك أي زيادة لئلا يظنني البعض ضحية عبيطة أيضاً  . الأفضل دائماً لقادم لا تعرفه أن تبدو و كأنك حيادي و عادل له ما له فقط .

يعيب المشاهد المكررة أنها تذكرني بأشياء قديمة ( هل تصلح يومياتنا للحديث عنها ؟ )
عموماً أحب مقاعد ( /الباص/ ) لأن الراكب المجاور يملك أشياءً كثيرة ، ليس من بينها لحسن الحظ تعبير الوجه الكامل ، أو تحديداً ما يبدو داخل عينيَّ ، أما أن يجلس أحد في مواجهتي فهذا لا يصلح في رأيي إلا لاصطناع حديث داخلي لأنك لن تستطيع أن تمنحه بسمة مراوغة كما تستطيع أن تفعل مع آخر يجلس بجانبك ، ثم إذا كان ما تفكر فيه هماً ما فلن تملك هذا الصفاء لبسمات جيدة ؛ لأن من سيئات القصص الفاشلة – تلك التي تترك هماً ما – أنها تخلف أيضاً مرارة للمواقف المشابهة ، تسكن في عينيك ؛ حتى إذا نجحت ذات مرة لم يَعُزْكَ شيء سييء ، تضطر في سبيل إكماله إلى الفشل .

أنا أتجنب بإفراط جيران ( /الباص/ ) ؛ لأنني أملك بالفعل مشهداً سيئاً ، يحمل اعترافاً بالغباء و الحب ، مقابل تسريب احساس واحد بالذنب ، و لا أرى الآن أن هذا كان عدلاً ، فهذه التفاصيل أفسدت الحدوتة بكاملها ، و صار الشيء الوحيد المؤثر فيها هو كونها قصة فاشلة مع التستر على كل الأحداث .

جار مقعدي هذا الذي أتجنبه الآن ، من السهل جداً أن أصفه بأنه ظريف ، يعرف كيف يجعلك تسمعه ثم ترد رداً ودوداً بعد وقت قصير ، و هو وسيم ، و هذا أمر لا يحتاج اكتشافه إلى النظر إليه ، لأن أي امرأة ترى جيداً كل ما لا تنظر إليه ، ثم أنني لا أعرف طريقاً للتدليل على وسامته سوى أن يكون هذا رأي واحدة ما ... إذًا هو ظريف و وسيم ، لكن مشكلتي معه أن وجوده بجانبي في عربة تنتقل على خريطة شبه محدودة ، يجعلني أتساءل فعلاً كيف يمكنني إخباره أننا نستطيع أن نرتكب الأخطاء نفسها مرتين ، بشرط ألا نبدأ أبداً البداية نفسها ؟! .
                                                                          أكتــــــوبــر 2002  



في فراغ قصة شبه معتادة



       بينما كانت البنت تُغرق العالم بأسئلة مغلقة ، و تُقطر من دهشتها قصصاً لا تفرق كثيراً بين ألوان الصباح الصفراء ، و عطور المساء التي – كالبحر – لها لون واحدٌ و أزرق ، جاء إليها ساخراً من سذاجة خيالها التي تملأ الدنيا ؛ لأنه لن يكون هناك أحد ليبكي ..  قال :  - إذا كنت تريدين قصصاً جيدة فلابد لأحدهما – على الأقل – أن يبكي .

أن تمطر السماء فوق رأسي بينما تُظِّل الشمس رؤوس آخرين سبب جيد يجعلني أشعر أنني مميزة ، و أن ما سوف أقوله وحيٌ مطريٌ خارق ؛ فأنشغل تماماً بلعبة الكلام ، و أعرض في ثقة أن نزور الشوارع الخلفية للإسكندرية لأن ( نافوخي ) المائي جداً في هذه اللحظة يكره البحر ، و يؤمن بقدرته على إغراق الأماكن البعيدة ، و يحميني من تسريب حقائق جافة فيكون بإمكاني أن أظل خفيفةً ، لكنه قاطعني بأنه يلزمني أن أملأه بذاتي ليمنحني ذاته في يوم ما ، و أن قصة جيدة تلك التي ستبدأ شريطة أن نسير بالطريقة ذاتها على الكورنيش ؛ لكي نجد مخرجاً للنهايات التي لم يمكننا بعد أن نحكي عنها و نحن نضحك ، و بعدها نستطيع على الأقل إشراك البحر و الكورنيش و ربما زوج من النوارس ، أو مركب تنام على أحد جانبيها في مدخل ( المينا الشرقي ) فنجد أن نصيبنا من الذنب ضئيل ، و يحتاج بجدية إلى بكاء آخر .

................أو إنك تكون خفيف لدرجة إنَّ الناس مش حاسَّه بوجودك ، و هروبك دايماً من إنك تتقـِّل على حد خلاك أخف من إن الجاذبيه تشدك وسط الخلق ، و بقيت فوق بتتفرج عليهم ، و عالي لدرجة إن دموعك كلها اتبخرت ، فماحدِّش حس بالمطر فوق راسه ، و لا البكا ده كله عمل قصه كويسه .



                                      
                                                                         أغسطـــــــس 2002     




لا شئ يحدث
 


 ( قـَصّ الأحلام على قد القد لعبه سخيفه ، بس كلنا بنقع فـِ لحظه و نلعبها ، و دي اللعبه الوحيده اللي حظك بيضرب فيها ، و تكسب بس لمَّا تخيب .. ! )

                          ********************************

لم يعد باقياً غير قليل من الأشياء الهامة أتبادلها في بطء وروية ؛ لخلق هذه المساحات المحكية الرائقة و التي تمثل وحدها سلوتي المعتادة في شغل ساعات طويلة من تاريخ حياتي الطويل ، و عندما ملأتني منذ الصباح حالة إشراق و طاقة قررتُ حبسها في الورق كنوع من التحكم فيما يمكنني التحكم فيه ، فبدأت في استدعاء أحد أشيائي الهامة كحب هادئ يبدأ لسبب عادي مثل عدم وجود آخرين حولك في إجازة تقضيها جالساً فوق قمة جبل لا يصعد إليه الكثير من الناس ، و ينتهي لسبب مماثل كــ ( stop ) حادة من المخرج الساكت خلف الأحداث ، أو حتى ينتهي فجأة ضارباً بكل قواعد الحكاية عرض الحائط ، فقط يبدأ و ينتهي .

إذا كنت هناك وحدك ، و جاء إليك شخص ما فثمة فرصة وحيدة أمامك لتقع في اللعبة ، و تبدأ آمالك في التشكُل كخطوة أولى لإضفاء صفة القدرية على كل شيء ، و يساعدك جداً البدء بالمظهر الخارجي ، أو الاسم و غيرها من الأمور التي يقتل حضورها الطاغي أي تصورات مسبقة ، فما المانع من أن تحب شخصاً يدعى ( س ) بدلاً من ( ص ) و عموماً فكلاهما ينتميان لنفس الأبجدية ، و هكذا ستجد كثيراً من الوسائل لتهشيم أوانيك البلورية السابقة ، و بناء غيرها يكفي جداً أن تكون من الزجاج الأبيض لتعكس فقط وجه شريكك الوحيد ، لن تنسى أيضاً أن تبدأ في بعض الأحيان بتقبُّـل العيوب كدليل حاد على النضج و التعامل بواقعية .. نفس النضج الذي يدفعنا لإفلات قواعد اللعبة و نفخ الهواء في أحلامنا لتصبح شديدة الإتساع فجأة .. فتــطيــر .



                                                                         أغسطـــــــس 2001  


تفسير جاد لكائن عابث


 
      سأعتبر أن الأرصفة أماكن ملعونة ، و أن أيام الجُمَع الربيعية مليئة بالمطر ، سأفكك حروفنا ، و أقذفها بعيداً جداً ربما أبعد مما تسمح به ذراعي ؛ لأن رغبات انفلاتنا ضمت وحدها قوى جبارة ، عندها ستبدأ صورتك في الذوبان مخلفة بحراً جيلاتينياً يبعث بروائح غريبة ، تملؤني نشوة و رغبة في دخول ليال طازجة ، أهتم فيها فقط بديك الصباح [ ككائن وحيد يعرف صناعة النهاية ، و لا يكترث كثيراً للاستمرار ] .

سأبدأ مجدداً من عبثي الأزلي ، و أتجاهل تماماً كيف خانتني قدرتي عليه إلى هذه الدرجة تاركةً لي الكثير من الكلمات القديمة ، و مساحات من الوفاء تلائم ملكاً عجوزاً قد يرفض فقط ألاعيب الصغار ، خصوصاً أنني اقتصدت في ترتيب النقاط لافتعال القدرية ، و لم أعلق سوى بأن الحب هو القدرة الكونية الوحيدة التي تعطي معنى لكل التراكيب الكلاسيكية ، و تسرق من الحكم ألقها ، و تتركنا لنصنع حكمتنا الخاصة [ وقتها كان لابد من تبرير حاذق لكل هذه الروتينية في ترتيب الصدف ، و استمتاعي الغريب بعبارات تاريخية ] فهل مازال عبثي صالحاً كسبب طيب لبناء قصيدة أخرى تحمل هزيمة مؤثرة ؟ .

قلت له : لن تنال قلباً جاداً ، فمعظم الأسماء أنساها عند الصباح ؛ فأخبرني بفلسفة كتلك التي تناسب * الثانوي * أن ثمة أمور تفرض وجودها بعيداً عن طاولات اللعب ، و أن أجمل الحكايات بدت في البداية كرد فعل خاطيء و خارج عن القياس ؛ فافترضت أنني لست في حاجة إلى حماية كلامية ، و فتحت قلب المدينة الأزرق و أهديته سراً صغيراً و غير زائف .

هل تعرف كيف تذيب شموع المولود الصغيرة ؟ بعيداً عن عيني أمك أشعِل عوداً من كبريت ، و قربه من الشمعة تماماً من حيث تظن أنها لن تحترق ، [ لا تتجاهل ما تتركه الشمعة في الفضاء الضيق بغرفتك ] ؛ فهذا الملتصق بالأرض ، حائل اللون ، صعب الإزالة ، هو ما تخلفه الحكايات خصوصاً تلك التي تبدأ بفلسفاتٍ تقنعك أن العالم ليس كما تظن ؛ لتجد نفسك منتهياً بمنطق يناسب كائناً ثقيل السمع كديك الصباح ، و بعضٍ من أوزار عليك تحملها ، و الأسوأ دوماً وجع خانق يلزمك بالامتنان لدعواك العبث فلا يستطيع أي فرد احتساب الحكاية عليك .


                                                                          مـــــــارس 2002


رفسة من فرس *
 
       ككل الحكايات التي نسمعها تنتقل الأدوار لتسقط في النهاية على رأسك مطالبة بقدر هائل من الإصرار أن تكون بطلاً فيها ، و أن تترك دور المتفرج حتى تسمح لك الحكاية بأن تظل موجوداً ، و يساعدها ذلك الميل الغريب منك للدخول فيها ، و محاولة ملء كل الآذان المنتبهة جيدا ً بتفاصيل زلقة لا يمكن محاسبتك عليها .

عندما يسقط دور الراوي على رأسي يؤلمني ذلك الشجّ في جبيني – طبعاً بسبب السقطة ، خصوصاً و أن الحكاية كانت ثقيلة نوعاً – و يتمثل لي ذلك الفرس ؛ فأحاول إخفاء الكثير تحت ذلك الكم من المواعظ الحياتية التي لا أؤلفها إلا عند الحكي ، و لا تكون إلا من الكلام السريع التأثر بمرور الوقت ؛ لأنني شخصياً لا أحتمل العيش تحت وطأة فوائد التجارب أو ذلك الذي لا أعرفه و يفترض به أن يجعلك أكثر حرصاً .

سأحكي عن تلك الأوقات التي ترى نفسك فيها جميلاً ، و يتلون فيها الصباح فقط بألوانك المفضلة ، عن تلك السعادة التي تراودك لملامسة قلب الأشياء مع فرس نابض في روح الأحاديث ، .. ستنسحب التفاصيل ببطء داخلي تجرُّ معها قليلاً من الزهـو ، و تحاول أن تنفصل عن الألم المسكوت عنه ؛ لتملأ فراغ النهاية بأي من تلك الجمل التي تصلح كنهايات ، و سأغفل تماماً ذلك الألم الذي تشعر به عندما يهجرك حبيب ذات مرة تاركاً لك عنواناً لمكان لا تعرفه ، أو رقم هاتف لا يجيب مردداً في اللحظات الأخيرة أنه مضطر .. ساعتها يغيب عنك ذلك المنطق الذي فاجأك به ، و لا تعرف سوى رغبتك في بقائه هنا ، و تنظر في المرآة لتكتشف أن صورتك قد رحلت معه ، و ينتشر في رأسك ألم رهيب يبدأ في التقلص تدريجياً حتى يصبح خطاً صغيراً تحيط به دائرة حمراء ، و تتعلم شيئاً جديداً لا تستطيع بعده العودة أبداً إلا في فراغ نهاية حكاية مهما حاولت إقناع نفسك أن بالروح مكان لكثير من رفسات الأفراس .
  
                                                                                            مـــــــايـو 2002  

 * العنوان من قصيدة الجنوبي للشاعر أمـــل دنقـــل :- ( رفسة من فرس تركت في جبيني شجا و علَّمت القلب أن يحترس )







تفاصيل وجود عادي
  
      أنا الصليب القائم بين بوابتي الدنيا ، مادًا ذراعيه باتجاههما يريد الانسحاب أو العودة ، بينما تهبط سماءُ بقربه يوماً بعد يوم ؛ لتعيد ما كبر منه وتداً حبيساً في رحم أرضي يصلح لدفنه عندما يمّل التطاول ، بينما سماؤه تقترب ...

لن يستطيع أحد ما أن يغريك بالدخول لو لم تر طاقة الباب الآخر تداعب فكرة هروبك في وقت ما ، و لم تعد تجدي الحيل القديمة مثل اكتشاف ما وراء الباب ، أو إغماض عينيك في دخولك الأول ... أظن أنه من الممتع فعلاً رؤيتك تدخل برغبتك الكاملة ، و عيونك مفتوحة باتساع قدرة الكون على خداعك .

عند الخطوة الأولى – و التي يدهشك أنها تزرعك حيث كان يجب أن تكون ، مع أنها لا تتماثل أبداً بين الأفراد – تبدأ بمد ذراعيك في كلا الاتجاهين ، و لا تتذكر كيف فعلت هذا ، و تبقى فقط ابتسامة السعادة المرسومة على الوجوه ، هذا طبعاً حينما كان الوجه يحمل ملامحاً تستطيع معها رؤية ابتسامة ، أما ما يتردد عن سقي الأرض بدموع الأفراد فهو غير أكيد حيث لم تحدد أي عيون ، و لم يقدر واحد أن يرى بوضوح خلال غيمة شفافة يحكون عنها .
عند الدقة الأولى فوق رأسك ستظن أن بالأمر خطأ ما ، و أن جاراً غبياً قد نام في فضاء عالمك ، و لأنك لن ترفع رأسك لترى ستظل تظن ، و عندما تأتي الدقة الثانية سيساعدك الصداع الناتج على تشويش أفكارك أكثر ؛ لتصدق في النهاية أن السماء تهبط باتجاهك . لن تعرف طبعاً أنك تُدَّق في الأرض إلا بعد أن تجد أن الامتداد الأفقي لذراعيك يمنحك قبراً عريضاً ، لا يضايقك فيه جيران ، و بسبب العتمة الشديدة لن ترى ما يسوءك ، و لن أضايقك بإخبارك عن اللعبة التي يمارسونها بأسفل ؛ ليقنعوك أنك وحدك بينما أحدهم يقترب منك بشدة ، لكنك تفقد الإحساس بوجوده .
الآن أملك قبراً أرضياً ، و كذبةً بأن المكان يتسع لي وحدي – و هي تجعلني راضياً – كما تختفي البوابتان اللتان كانتا تعذبانني ، و لهذا فالآن أنا الصليب المدفون وحده .. أعترض .




                                                                         ينـــــــايــر 2002





عصافير ملونة

        عندما كنت تأتيني ( زمــــــان ) ، تحمل يـــداك بعضاً من الألــــوان ، و قليلاً جداً من محاولات إزالتها ، كانت عصافيري البيضاء تخبرني أنك ترسم – جدياً هذه المرة – لوحة أخيرة لي ، تعدني بها دائمــاً ، و أتمناها ناطقة أمامي تشهد لي بحــب يرضينــي ، و تمثل ذكرى جيدة تمنع دموعي و تجر خيوطي إلى الأرض إذا ما حاولت كطائرة ورقية الارتفاع أو النسيــان .

لم أكن أرغب فيها بهذا الجمود ، أو نقل ملامحي على الأوراق .. فقط كما تريدها أنت ، وبأي الألوان و لو كهذه " الاسكتشات " الصغيرة التي رسمناها معاً للوحة خاصة مختلفة حسبنا أننا ننشغل بها .

لم تدعني لأراها أبداً ، جمعنا حاجياتك المتناثرة في المرسم ، و عندها فـَّـرت من عيني ربما دمعة أو أكثر ؛ لأنني الآن لا أذكر ملوحة طعمها ، أو يوم رحيلك عندما أعلنت أنني أخيراً سأحلـِّـق بعيداً بعدما تقطعت خيوطنا ، لكنني ظللت مربوطة إلى الأرض أنتظر لأرى عودتك تحمل يداك بقايا الألوان ؛ فأقرأ فيهما غيابك ، أم أنك ستملك بعدي قدرة أكبر على إزالة الألوان ، و الرسم بيد نظيفة تماماً ...؟! .

   
               
                                                                        أغـســـــطس 2001










فهرس

قصص تتجول بالطرقات




حكاية عمو المملة



الولد والبنات




حدوتة عن فتاة عادية



حكاية غير مروية



بنت من ثانوي




مجرد شخص وحيد ومقعد خالي


أفكار طارئة




أسباب غريبة للصمت



بعض ما يعرفه الجميع



لعبة السعادات الممكنة



قليل مما نملكه حقاً





قصص ساكـنة





بنت واحدة بس



عن واحد خايف جداً



أسكن بداخلي




في فراغ قصة شبه معتادة



لا شئ يحدث




تفسير جاد لكائن عابث



رفسة من فرس



تفاصيل وجود عادي



عصافير ملونة




فهرس