السبت، 23 أغسطس 2008

قصة عن كلمات تحرق وجودك

        قف حدادا على قلبي، لا تبكِ، فقط أظهر بعض الاحترام، ولا تتعمد أن تفسد هذه الحالة بأسئلتك الخبيثة والتي سيبدو الأمر بعدها وكأنه لا يستحق كل هذا الحزن. مع أنني أكدت لك أن علاقتي بالمدينة كلها قد تأثرت فهي لم تترك لي ألما خفيفا في بعض الشوارع كما تفعل دائما، ولكنها فتحت قلبها لخيانتي؛ فتركت لي خجلا فاضحا بطول الكورنيش. أنا أعرف أنك ستقول أن الخيانة كلمة كبيرة، وأنه من المزايا ألا يستمر الحب كثيرا، وهذا في حد ذاته سيشي بسوء نواياك؛ لذلك لا تحاول أن تحبني الآن، وفي المقابل سأخبرك أن هذا الحزن سيعطيني الوقت الناقص حتى يصبح الأمر حكاية كاملة؛ لأنني لا أراهن كثيرا على المستقبل، ثم أنه عليك أن تذكر أنني تجاوزت عن غباء تعليقاتك فقط لأنك لم تحاول ضرب الحكاية من أساسها بسؤالي عن السر الذي لم أحصل عليه منها.

كان هو الوحيد الذي سألني بغضب مقنع عن أبطال قصصي؛ فأجبته بلؤم صناعة بطل جديد أنهم كلهم يحبون صديقاتي، وأنني أحب أن أتفرج على البنات اللاتي يسحرهن البحر؛ فيقدمن أيديهن فقط كقربان معلن، بينما كنت أعلم أن آلهة السحر الحقيقية لا تقرب الماء إطلاقا وتختبئ دائما في دفء تشابك الأيدي، وهذا هو السبب الذي يدعو البنات إلى تقديم أيديهن؛ لصناعة مهد دافئ لآلهة السحر العزيزة. كما أن صوته كان جميلا؛ فحاولت أن أمرر عبر الهاتف دفئا كافيا لاختصار المسافة، وشعرت أن الوقت كان مناسبا لأن يمنحني سر الحب الجميل، الذي تغزله الأصابع الدقيقة لآلهة السحر المتوهجة، لكنه لم يقل شيئا مهما ؛ فاضطررت أن أسرب إليه طلبي مباشرة، وتنازلت عن أنني لن أمتلك فرصة "لتزويق" الجزء المهم، لكنني لم أفهم ما قاله تمامًا ...
هل أحكي لك بسرعة..، عمومًا إن هذا هو الجزء الأخير بعدها سيكون لدينا الوقت الكافي للبكاء واختراع التفاسير وطبعًا لتمرير شرنا عبر التفاصيل وهذا سيعلمك أن تحب الحكايات الكاملة مثلي فنحن الآن نملك تفاصيل هل تعرف جدوى أن تملك تفاصيل؟!

" قال لي:-أنا مش جبان". وكل ما فهمته من هذا الرد بعد ذلك أنه لا يستطيع أن يحبني لأنه بالفعل أحب واحدة أخرى رأى في رسومها أبطالاً يصلحون للسؤال نفسه، وأنه اعتبر أن صانعات الكلام تكرهن أولئك اللاتي تحولنه إلى صور مع أنني شخصيًا كان لدي الكثير من التغطيات لهذا الموقف، فقط لم يكن عليه أن يشعرني بأنه يمتلك شيئًا حقيقيًا كان دافعه لعدم الوقوع مرة أخرى في طريقي بينما كنت في الوقت نفسه أعاني فراغًا هائلاً جعلني أتصنع العبط.. ثم أنه على الرغم من كل شيء لم يكن عليه أن يطلع مدينتي على رفضه لي ويخجلني من الاحتماء بها ثم أنه كان يعرف جيدًا أنها أمي.
ربما لا يعنيك أن ما شعرت به هو أنني غير مهمة، وأنني حتى قد اتكأت على القصص لدخول هذه الحكاية بينما يفترض أنني أملك سببًا عاديًا يصلح لصناعة شبكة سحر عادية أيضًا لكنها كافية –هل تحب أن أقول سببًا طبيعيًا؟- لا يهم، لأن الطبيعي في هذه اللحظة كان أن أتمنى أن يلقي بفتاة الصور من فوق الدرجة الأخيرة وبالطريقة ذاتها لأنني ساعتها سأبدي تعاطفًا لا نهائيًا معها وربما بعض الإعجاب، وسأدعي في مرح بحجم خلاصي أن كل ما حدث هو أنني انتقيت شخصًا لا يعرف سرًا واحدًا، وربما يبدو هذا الافتراض شاذًا لكنه ليس أكثر شذوذًا من فشلي في صناعة سحر عادي، كما أنه على الرغم من غرابته تؤيده واقعتان جيدتان؛ فالشخص لا يترك للكلمات أن تحرق وجوده أو للرسوم أن تصوره معلقًا من قفاه هكذا ببساطة إذا كان يملك ما يدافع به عن نفسه.. أقصد كرجل عادي..!!

هل جاء مرة أخرى؟ طبعًا جاء كلهم يعودون مرة أخرى تكون سخيفة لكنها تساعدك ظاهريًا وتخرب أشياءً بداخلك؛ فتكتشف أنه كان بإمكانك تلافي كل هذا الإحساس بالمرارة وبأنك قد أقصيت عن هذه اللعبة لأنك ما زلت صغيرًا يتجنب الآخرون أن يجرحوك –هؤلاء الآخرون هم الذين يفكرون دائمًا بأن الجروح يجب عليها أن تعري دمائك، وأن تترك ندوبًا بشعة مشكلتهم أنهم ينظرون إلى الأمور من الخارج ويظنون أن ما يمكنك إخفاءه يمكن اعتباره غير موجود أصلاً– وعندما تجد نفسك ممتلئًا برائحة ضعفه المتواري خلف عودته الثانية والتي تبدو "كجس نبض" سيكون أمامك إما أن تصدقه وأن تعتقد أن ما قصده بعدم الجبن هو خوفه من تركك مشعلقًا بحيث لا يكون أمامه سوى ركل مؤخرتك، وفي هذه الحالة ستكون حمارًا حقيقيًا، أو أن تظن أنه سوء الحظ اللعين وتتشقلب في لعبة جديدة وسيثبت لك أنك قرد هذه المرة.. .

أنا.. لا..لا يليق بك أبدًا أن تصف بنتًا بأنها قرد خصوصا إذا كنت تنوي بعد قليل أن تحبها، ثم أنه عليك أنت بالذات أن تبدو وكأنك لا تعرف شيئا عن كل هذا الأمر، أريدك فقط أن تفهم لماذا أضطر أحيانا إلى البكاء، ولماذا أتعمد أن يكون هذا بعيدا عن أمي؛ فأنا لا أجد سببا مقنعا أحكيه، وأغفل به ذكر فتاة الصور... إن الاستنتاجات الكبرى لا تؤذيني؛ فعندما قلت لي أنك تعرفه لم أندهش، طبعا كان عليك أن تصمت لكن لا يهم، أنا أعرف أنك تحب الكلام، ولن تضيع فرصة تبدو فيها ذكيا باستنتاج صحيح.. المشكلة أنني لن أستطيع أن أسألك هل تعرف أنت أيضا أي فتاة تحول الكلام إلى صور؟ أنا أعرف أنك سترد بكلام كثير لكن ما يضايقني هو رغبتي في سؤالك؛ لذلك من الأفضل أن نتعامل وكأن كل منا له الحق في رفض واحد وقد نلته.. فلأضيع وقتي الآن في الحزن، وأتجاهل تماما أنني أحتاج إلى شخص يحبني؛ لأنني بصراحة لا أعرف كل ما يجب أن أسألك عنه، ثم أنك كان يجب أن تقف صامتا، ولا تسأل عن هذه الحكاية أصلا.


5 ..... 8 يناير 2003

* نشرت في كتاب ال.. كل / الكراسة المصاحبة 3 /  2004

أفكـــــــــــارٌ طــارئـــــــــــــــة


       لم تكن المسافة طويلة، لكن الغرق في أفكار لذيذة هو أفضل ما يميز رحلة العودة إلى المنزل، خاصةً وأن كلّ ركاب منتصف النهار يؤثرون الصمت والاسترخاء..
..يجتذبني معهم صوت فتح الباب الصغير لعربة (الميكروباص) التي نستقلها.. تتجه جميع الأعين إلى القادم [هي رغبة أزلية في معرفة المجهول، وإفشاء الأسرار فقط لأنها أسرار] والقادم سيدة تحمل حقيبة منتفخة تتدلى من زاويتها المفتوحة بعض رؤوس الجزر المخنوقة التي تتطلع بلا مبالاة إلي أقدام الناس، وتشي بأن يوما مرهِقا من العمل والشراء قد مرّ على سيدتها؛ لتكون هذه هي آخر استنتاجاتنا عادةً؛ فنصرف أنظارنا عنها، لكنها عندما جلست في مواجهتي حُصرت أفكاري للعودة فيها وحدها، أحببت أن أتساءل في خبث عن رأي الآخرين فيها.. هل يرونها أكثر جمالا مني؟ .. ربما يرى البعض أكثر من كونها سيدة عادية، فمثلا هناك الجينز الأسود الجميل الذي ترتديه، وتبدو فيه أكثر انطلاقا مني في جلستي المتحفظة، وكتب الكلية الأنيقة المرصوصة على ركبتي أحفظ توازنها بأطراف أصابعي وأحس بها الآن تغار من جزراتها.

تابعتها وقتا، وعندما رفعت عيني لأرى وجهها؛ وجدت نظرتها مثبتة على يدي الموضوعة بلامبالاة فوق الكتب، ولاحظت حركة أصابعها البطيئة التي تمر بها على ظهر يدها المتجعد قليلا.


                                                             مارس – أكتوبر 2000    

* نشرت في العدد الأول من مجلة مينا 2005

حكايــــــة "عمـــــــو" الممـلــــة


        منطقيا كل المراهقات تعلمن أن الدخول إلى بيت ابن الجيران شيء طبيعي، وسواء كان هذا الدخول عن طريق الباب، أوالشباك، أوحتى عن طريق (الجوابات)؛ فهو موجود، ولن أضيف جديدا إذا حكيت عن "ابن جيراني"، لكن الرغبة وحدها هي التي دفعتني إلى هذا كله.

قبل البدء في سرد هذه الحكاية المملة لا بأس أن نعرف أن هذا (الابن جيران) يكبرني بخمسة أعوام؛ ولهذا كان أبوه في سن مناسبة تماما.

كنت أطمئن للأب، وكانوا يحذرونني من الابن ـ المظلوم دائما ـ ويمنعونني من الصعود إليهم عندما يكون موجودا بالمنزل، أما الأب فكانت كل أحاديثه الهامسة لي على باب الشقة تمتعني بشدة، خصوصا أنها لا تتسبب في ثورة أبي، أوتجبرني على سماع دروس أمي الأخلاقية، وكان "عمو" عندما يقول لي أمام الجميع:
ـ (تصبحي على خير يا حبيبتي) تبتسم له أمي، وتنبهني لأرد تحيته الجميلة.

لم تكن رغبتي في فهم ما يحدث تمنعني من الاستمتاع بهمسات "عمو" أو إصراره على الإمساك بيدي عندما أحاول تركه، وقد كنت بصراحة أتركها له وأنا أجذبها وأردد:
ـ (لأ... كده ح اتأخر)؛ لأستمتع بإصراره، وكانت كل أسئلتي لنفسي تتحول إلى أحلام تنسيني الأسئلة نفسها، وتخبرني أنني لا يجب أن أحاول فهم هذا الكبير أبدا.

...... بعد سنوات عندما كنت أخبر حبيبي عن "عمو" كان يردد أنها شقاوة كبار، ومداعبةٌ منه لصغيرة بلهاء حتى أنساني كل الكلمات الجميلة التي سمعتها، وكل رغبتي في فهم أسبابه.

.... في حفل زفافي عندما كان يشد على يدي، وأشار لزوجي:
ـ (تسمح لي؟) فابتسم له زوجي:
ـ (طبعاً يا "عمو") انحنى يطبع قبلته الجميلة على خدي وهو ما زال يهمس:
ـ (.. برضه بحبك) فنظرت إلى زوجي الباسم، ومن خلفه أبي، وقلت:
ـ (وأنا كمان يا....).


                                                                  نوفمبر 98