الخميس، 16 أكتوبر 2014

رفسة من فرس *

    
   ككل الحكايات التي نسمعها تنتقل الأدوار لتسقط في النهاية على رأسك ، مطالبة بقدر هائل من الإصرار أن تكون بطلا فيها ، وأن تترك دور المتفرج حتى تسمح لك الحكاية بأن تظل موجودا ، ويساعدها ذلك الميل الغريب منك للدخول فيها ، ومحاولة ملء كل الآذان المنتبهة جيدا  بتفاصيل زلقة لا يمكن محاسبتك عليها .


عندما يسقط دور الراوي على رأسي ، يؤلمني ذلك الشجّ في جبيني – طبعا بسبب السقطة ، خصوصا وأن الحكاية كانت ثقيلة نوعا – و يتمثل لي ذلك الفرس ؛ فأحاول إخفاء الكثير تحت ذلك الكم من المواعظ الحياتية التي لا أؤلفها إلا عند الحكي ، و لا تكون إلا من الكلام السريع التأثر بمرور الوقت ؛ لأنني شخصيا لا أحتمل العيش تحت وطأة فوائد التجارب ، أو ذلك الذي لا أعرفه و يفترض به أن يجعلك أكثر حرصا .

سأحكي عن تلك الأوقات التي ترى نفسك فيها جميلا ، ويتلون فيها الصباح فقط بألوانك المفضلة ، عن تلك السعادة التي تراودك لملامسة قلب الأشياء مع فرس نابض في روح الأحاديث ،
.. ستنسحب التفاصيل ببطء داخلي تجرُّ معها قليلا من الزهـو ، و تحاول أن تنفصل عن الألم المسكوت عنه ؛ لتملأ فراغ النهاية بأي من تلك الجمل التي تصلح كنهايات ، وسأغفل تماما ذلك الألم الذي تشعر به عندما يهجرك حبيب ذات مرة ، تاركا لك عنوانا لمكان لا تعرفه ، أورقم هاتف لا يجيب ، مرددا في اللحظات الأخيرة أنه مضطر ،
.. ساعتها يغيب عنك ذلك المنطق الذي فاجأك به ، ولا تعرف سوى رغبتك في بقائه هنا ، وتنظر في المرآة لتكتشف أن صورتك قد رحلت معه ، وينتشر في رأسك ألم رهيب يبدأ في التقلص تدريجيا حتى يصبح خطا صغيرا تحيط به دائرة حمراء ، وتتعلم شيئا جديدا لا تستطيع بعده العودة أبدا إلا في فراغ نهاية حكاية ، مهما حاولت إقناع نفسك أن بالروح مكان لكثير من رفسات الأفراس .



                                                           مـــــــايـو 2002  




 


* *العنوان من قصيدة الجنوبي للشاعر أمـــل دنقـــل :- ( رفسة من فرس تركت في جبيني شجا و علَّمت القلب أن يحترس )


ليست هناك تعليقات: