الاثنين، 6 أكتوبر 2014

أسباب غريبة للصمت


         .... وحاولت إقناعها بأن محطة الرمل مملة اليوم ، ولو انتظرنا إلى يوم الخميس ستكون أجمل، غير أن هذا الخميس أول الشهر ، وهكذا فإن الحالة المادية لن تكون بحاجة إلى مذكرة حساب ، لكنها رفضت في عناد ، وكنت أنوي الإصرار عندما قالت في بلاهة أخرستني :
-        ( بطـَّلي بقى مش كل خميس حَ تلاقي سي حسام هناك ، نروح النهارده ولو عايزه ممكن نروح له المستشفى ..  يعني نقول له أي حاجه  ) .


ستندم على اصطحابي وحرق آمالي بهذه البساطة ، لكنني لن أدعها تتصور أنها ستفوّت عليّ الفرصة التي انتظرتها للوقوع في صدفة أخرى أقابله فيها؛ ليخبرني بشيء آخر غير أنه يفضّل المكان نفسه، أو لأخبره بأن كونه طبيباً قد فتح باباً لأحلامي .


في عربة الترام الهادئة جلسنا متقابلتين ، فأغرتني نظرتها اللائمة بتصوّر نهاية جافة لليوم ، فلا مصروف ، ولا حسام ، زِِد أنها لم تستطع تغيير حالة الملل فقررت في قسوة عقابي ، وحرماني حتى من المرور أمام باب المستشفى ، لكن الفتاة التي أجلستها (.....) بجانبها بددت تصوري الجاف بضحكتها الجميلة ، واقتربتُ منها لأصالح صديقتي التي ابتسمت في انتصار :
- ( أظن دي بقى ما تقدريش تعامليها ببرود ) .
أخبرتني الأم الواقفة بجواري عن اسم الفتاة الذي فشلت في سماعه أربع مرات متتالية .. قالت الأم :
-        ( هاجر .. اسمها هاجر ) .


هاجر الطفلة ذات السماعات الملتفة حول الأذن أشعرتني بذنب مضاعف عندما ابتعدت عنها ، وعدت للتفكير في قانون الصدف الملتوي ، والجملة السخيفة التي قد توجهها إلى أي إنسان لسبب لا تعلمه .. : - ( خليها بالصدفة ) .. ثم تكتشف أن قانونه الخاص للصدف لا يشمل نفس اليوم أو المكان والساعة ..   


... جذبَتْ أصابعي بشدة ؛ فاستبدلت أفكاري الخائبة بوجهها الصغير وهي تلهو بأوراق الكلية ، وتصرّ على تعليمي العد .. ( واحد )  أشير بحركات في الهواء ؛ فتومئ برأسها في فرحة .. أبحث في رأسي عن قاموس الإشارات الغريبة .. أين تعلمتها ؟! ، .. أجد بعضاً من أفكاري عن نهاية اليوم ، قد تتغير النهاية الجافة ، وقد أحتفظ ببعضٍِ من مداعباتها لأرويه لحسام الذي قد أقابله صدفة ... أهمس لصديقتي :
- ( تعرفي البنت لذيذه ، ممكن أسيب لوالدتها تليفون حسام يمكن ينفعها ) .
سألتني في تردد :
- ( هي إيه .. مش صعبانه عليكي ؟ كل اللي بتفكري فيه حسام وبس ..! ) .
أجبت كاذبة في شبه همس :
-        ( لأ طبعاً ، وتصعب عليّ ليه ؟ )
 وأرسلت يدي خارج النافذة لتلقي بتحية إشارية لفتاتي الصغيرة التي تقف على رصيف المحطة ، وأنا أفكر جدياً أنها على الأقل تملك سبباً حقيقياً يمنعها من الكلام .



                                                            أكتوبر 2000   

by : Yoyo

ليست هناك تعليقات: